8 آذار 1889

1903

1905

23 آب 1907

1914 -1918

30 آب 1938

30 آب 2001

27 تِشْرِينَ الثَّانِي 2001

2 آذار 2007

17 كَانُونَ الأَوَّلِ 2007

الطُّوبَاوِيِّ إِسْطِفان نِعْمِه

8 آذار 1889

1903

1905

23 آب 1907

1914 -1918

30 آب 1938

30 آب 2001

27 تِشْرِينَ الثَّانِي 2001

2 آذار 2007

17 كَانُونَ الأَوَّلِ 2007

أعجوبة التطويب (شفاء الأخت مارينا نعمة الله نعمة)

روَت الأخت مارينا شفاءَها أمامَ لجنة التطويب: "إلتَمَستُ شَخصيًّا شفاعتَهُ بعدَ أن شعرتُ بِألمٍ حادٍّ في جسدي، وتيقَّنتُ من أنّ عظامي كانت تؤلِـمُني. فٱستَشَرتُ عندئذٍ عدّةَ أطبّاء اختصاصيّين. وعلى أثر معاينتهم لي، تبيَّنَ بأنّني كنتُ مصابةً بسرطانٍ في العَظم، وقد مرَّ على هذه الحادثة حوالى ثمانية عشر عامًا. خضَعتُ لعلاجاتٍ متعدِّدة، ولدى أكثر من طبيب، كان من بينِهم الدكتور قصعه، الأخصّائيّ في الجراحةِ العظميّة، وبقيتُ طوالَ سنينَ عديدةٍ، عرضةً للوجع الـمؤلمِ نفسه، لا ينفكّ يعاودني، حالما يزولُ عنّي مفعولُ الحِقَنِ الـمهدّئة. وحينَ وجدتُ نفسي مطروحةً من دونِ جدوى بينَ أيدي الأطبّاء، بدأتُ أتساءل: "لـماذا لا ألتمسُ شفاعةَ عمّي، الأخ إسطفان؟" فطَلَبتُ آنذاك من شقيقتي أن تأتي لي ببعض الـماء من نبع "الغرَيْر". إنّ هذا الينبوع قد اكتَشَفَهُ عمّي عندما كانَ مزارعًا ويعملُ في الحقول قبلَ دخولِه إلى الدير، فشربتُ من هذه الـماء، واغتسلتُ بها، طالبةً منهُ أن يمنحَني الشفاء، لأنّ وجعي كانَ لا يُحتَمَل، وكنتُ أقضي ساعاتٍ طوال في البكاء والصراخ. وبعدَ أقلِّ من أسبوعٍ أو أسبوعَين، استعدتُ عافيتي وحياتي الطبيعيّة. وأودُّ أن أذكُر هنا أنّ الأطبّاء الّذينَ عاينوني، ومنهم الدكتور قصعه، والذينَ كانوا على علمٍ بـمرضي، لم يصدِّقوا ما قد حَصَلَ معي، لأنّهم كانوا على ثقة بأنّني قد فارقتُ الحياة."



روحانيّة الطوباويّ اسطفان نعمه


تُخبرنا الرواية الثانية للخلق في سفر التكوين (تك 2: 4ب – 9) عن أنّ الله خلق الإنسان قبل كلّ الكائنات، ولأجله خلقها كلّها؛ وله غرس جنّة عدنٍ، وشجرة الحياة، وشجرة معرفة الخير والشرّ. وعليه، صار الإنسان "بُستانيّ الله". هكذا حوّل الأخ اسطفان أراضي كلّ دير حلّ فيه جنائن غنّاء، ممضيًا حياته كلّها في الرهبانيّة عاملاً في الكروم والجنائن بروحِ طاعةٍ وبساطةٍ ووداعة. لقد عمل بصمتٍ ورصانةٍ بصفته "رئيس حقلة"، فأحبّه شركاء الدير والعمّال حبًّا كبيرًا لأنّه كان يحبّهم ويحترمهم ويحامي عن حقوقهم.

بقي الأخ اسطفان "بستانيّ الله" مدّة حياته، واعيًا لحضوره ومتّحدًا به، مردّدًا على الدوام عبارته الشهيرة "الله يراني". كلّ ما عمله كان تحت نظر الربّ، هو الّذي أتقن بالإضافة إلى عمل الأرض فنّ النجارة، فلم يعرف البطالة في حياته. لقد حوّل البرّيّة بعمله "واحة عبادة" مقتديًا بشفيع رهبانيّته القدّيس أنطونيوس الكبير، فراح يتأمّل من خلال الخلق بعظمة الخالق : "ما أعظم أعمالك يا ربّ لقد صنعت جميعها بحكمة فٱمتلأت الأرض من خيراتك" (مز 104: 24). لذا يمكن القول أنّ الأخ اسطفان جعل من عمله فعل صلاةٍ وتأمّلٍ وعبادة.

كان الأخ اسطفان في نظر جميع الذين عرفوه الراهب التقيّ البارّ، والعامل النشيط الحكيم، والرفيق الصادق المحبّ، وهذه الصفات لازمته منذ بداية مشواره الرهبانيّ بشهادة معلّمه الأب اغناطيوس داغر التنّوريّ: " كَانَ سَالِكًا بِحِفْظِ القَوَانِينِ بِكُلِّ نَشَاطٍ وَمَحَبَّة، وبِإِعْطَاءِ الْمَثَلِ الصَّالِحِ لِإِخْوَتِهِ". ثمّ كرّس شبابه بالنذور الرهبانيّة سائرًا خلف يسوع وحاملًا صليبه "من أراد أن يتبعني، فليزهد بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مر 8: 34)، فشهد للربّ في مسيرته الرهبانيّة باذلًا نفسه من أجله ببساطةٍ وجديّةٍ تامّةٍ.

لم يحجب عمل الأخ اسطفان صلاته التأمّليّة، بل كان يجثو أمام القربان الأقدس يستلهم الروح القدس ويلتمس وجه الله. وبالإضافة الى الصلاة الجماعيّة والصلوات الليتورجيّة، لم يهمل الأخ اسطفان صلواته الفرديّة وعباداته الخاصّة، إذ كان "يختلي للصلاة" على مثال معلّمه يسوع الّذي كان ينسحب لملاقاة أبيه ليكون "وحيدًا مع الوحيد". ولا شكّ أنّه كانَ للعذراء مريم مكانة خاصّة في قلب هذا الراهب الورع ووجدانه، فالمسبحة الورديّة كانت صلاته اليوميّة وعندما كان يُرتِّل "يا أُمَّ الله يا حَنُونَة"، يتأثّر الجميع لدى سماعهم صوته الشجِيَّ الناعم. بٱختصار، كانَ هو أوَّل من يدخل الكنيسة عند الصباح، وآخِر من يغادرها، ليذهب حالاً إلى أَعماله اليدويَّة الـموكولة إليه.

"لا تُحرّف حقّ نزيلٍ يتيم، ولا ترتهن ثوب أرملة" (تث 24: 17). عاش الأخ اسطفان هذه الوصيّة الإلٰهيّة، فاهتمّ بالآخر، عمومًا، وبالضعيف، على وجه التحديد، سواء غريبًا كانأ و يتيمًا أو عاملاً أو فقيرًا... ويشهد دير سيّدة ميفوق على بلسمة رهبانه، بما فيهم الأخ اسطفان، جراحَ أهلِنا في لبنان جرّاء ويلات الحرب العالميّة الأولى، وظلمها، إذ بقي باب الدَّير مفتوحًا للجميع، والرهبان يوزِّعونَ الطعام على الـمحتاجين بكلِّ سخاءٍ ومحبَّة. ويُحكى عن أنّ إدارة الأخ اسطفان الحكيمة لأرزاق الدير سمحت بإطعام عدد لا يُحصى من الناس أيّام الحرب والجوع : "كلّما صنعتم شيئًا من ذلك لواحد من إخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد صنعتموه" (مت 25: 40).

صحيحٌ أنّ الأخ اسطفان لم ينل الدرجة الكهنوتيّة، لكنّ هذه المسألة لم تشكّل له أي عقدة، وقد نُقل عنه قوله: "إذا كان القسوس يتمتّعون بخيرات الأرض أكثر من الإخوة، فإنّ الإخوة سينعمون بمجد السماء قبل القُسس، لا بل أكثر منهم، ذلك أنّ منطق السماء هو غير منطق الأرض". وكان يخضع لعلاج شبه دائم بسبب مرض عضال أصابه، لكنّه لم ينكفئ عن العمل يومًا، ولم يُقَل عنه أنّه تذمّر ممّا به، بل قَبِلَ مرضه وعاش الألم بصبرٍ دون إظهار أيّ امتعاض. وكما عاش وقاسى التعب بصمتٍ بليغ، هكذا مات صابرًا وعابرًا إلى الأخدار السماويّة بفرحٍ لملاقاة العريس السماويّ.

"قال لهم يسوع: في جملة الحاضرين ههنا من لا يذوقون الموت، حتّى يشاهدوا ملكوت الله آتيًا بقوّة" (مر 9: 1). الأخ إسطفان هو من جملة الّذين بَقُوا "حاضرين" أمام الربّ طوال حياتهم، فـ"لم يذق الموت" يومًا، لا بل ٱنتصر جسده أيضًا عليه، فلم يعرف الفساد والتآكل، فـ"رأى ملكوت الله آتيًا بقوّة"، هو الذي ما برح لسانه يردّد دون كلل "الله يراني".