رتبة سجدة الصليب، جامعة الروح القدس – الكسليك

2025-04-18

News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image
News Image

احتفل قدس الأب العام هادي محفوظ، الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية، برتبة سجدة الصليب في قاعة البابا يوحنا بولس الثاني في حرم جامعة الروح القدس – الكسليك  يوم الجمعة 18 نيسان 2025، بحضور رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والسيدة اللبنانية الأولى نعمت عون، بمشاركةسعادة السفير البابوي في لبنان المطران باولو بورجيا، ومجمع الرئاسة العامة في الرهبانية، ورئيس وجمهور دير وجامعة الروح القدس – الكسليك.

كما حضر الرتبة رئيسا الجمهورية السابقان ميشال سليمان وميشال عون، ووزراء ونواب حاليون وسابقون وقائد الجيش وقواد عسكريون وامنيون وأركان في الدولة اللبنانية، إضافة إلى فعاليات سياسية وأمنية وعسكرية وديبلوماسية وقضائية وإعلامية وتربوية واجتماعية، وأعضاء مجلس الجامعة ومؤمنين.

خدم الرتبة الإخوة الدارسون في الرهبانية اللبنانية المارونية وجوقة جامعة الروح القدس -الكسليك، بقيادة الأب ميلاد طربيه، عميد كلية الموسيقى والفنون المسرحية.

وبعد القراءات وتلاوة الأناجيل الأربعة، ألقى الأب العام محفوظ عظة قال فيها:

رجاء لا يخيّب هو رجاء الصليب. وهو، هذا الرجاء، يُسكب علينا عند النظر إلى الصليب وعليه المصلوب، فهو، من جهة، يسحب الوجود صوب السماء فيفرح الإنسان، وهو، إذا ما أردنا أن نحلّق صوب السماء ناسين أرضنا، سمّر أرجلنا في الأرض التزامًا. فنحن، إن ننظر إلى الصليب، خصوصًا في هذا اليوم المهيب، نخاله، والربّ يسوع عليه، بين الأرض والسماء، وكأنّه معلّق في وسط الكون، لا شيء حوله، يتصل بأرضنا من جهة، وهو أداة الاتصال بالسماء من جهة أخرى، ومن خلاله يُشعّ نور ولا أبهى، هو نور القيامة".

وأضاف: "النظر إلى الصليب، لا بل تسمير العينين عليه، مع تصفية الذهن إلاّ منه، ينقل الى نفسنا السلام، ويذكّرنا بحقائقِ وجودنا. 

النظر الى الصليب يذكّرنا بأنّ الله موجود. هو هنا. ونعلم، حينها، أنّنا كثيرًا ما نُبلعُ من يوميّاتنا وأهدافنا ومخطّطاتنا ومشاغلنا ومشاكلنا، بكلمة، نُبلعُ من ذاتنا، فلا نعود نرى الله ووجوده، ونغرَق في ضياع وبؤس. النظر الى الصليب هو بوصلة تصوّب تفكيرنا وتعيد الهدوء الى نفسنا المنشغلة باليوميّات وبالمصاعب. وحين نتذكّر وجود الله، نفهم وجودنا بطريقة مغايرة ونقيّمُه على ضوء أزليّة الله ومحدوديّتنا في الزمن وفي القدرة. نتذكّر أنّ الله سيّد التاريخ وأنّه فوق كوننا وأرضنا، وأنّه يملك علينا، وأنّ نوايانا وأعمالَنا مكشوفةٌ لديه. فلا نعود نخاف ممّا قد يحدث معنا، مهما حدث، مهما اشتدت وطالت أزماتنا. نحن نجابه صعوباتنا بعزم الذين يمضون إلى الأمام بلا خوف لأنّهم مؤمنون بالله. الخوف شعور إنسانيّ طبيعيّ، ولكنّ المؤمن لا يرزح تحت الخوف، بل يكمل الدرب بشجاعة وعنفوان. وإن نحن تذكّرنا حقائق إيماننا، لا نعود نغار من الّذين يحقّقون باطلاً غاياتهم. تمرّ حياتنا على الأرض وتزول وتمرّ أعمالنا وأمورنا في برهة من الزمن، مهما طالت، ويبقى الله، الّذي أمامه يجب أن نَقيس أعمالنا".

وتابع: "والنظر إلى الصليب يُرينا الربّ يسوع معرًّى، ومعذّبًا ومائتًا. فلا نفهم. لا نفهم كيف حدث ما حدث له، ولا نحن نفهم سبب ما يحدث معنا حين يضربنا الأسى، أو مع كثيرين يحملون صلبانًا ثقيلةً وكبيرةً، والذين هم معرّون من فرح الحياة، والّذين أصابهم ظلمٌ من أناس أو من أحداث. نفكّر بالمرضى والمتألمين، بمن فقدوا عزيزًا، بمن يجابههم الفشلُ في أمر، بضحايا الحروب، بضحايا الحوادث، بضحايا الكوارث الطبيعيّة، بضحايا التصرّفات العبثيّة من بعض الأناس، بجميع جرحى الحياة، ولا نفهم. ونسأل لماذا يحدث كلّ ما يحدث من سيئات بدل أن يعيش الإنسان قرب الإنسان بكلّ فرح؟ على ضوء الصليب نرى جميع هذه الأمور، فنعود ونضع كلّ حدث ضمن التاريخ برمّته، وتحت نظر سيّد التاريخ. نعلن عجزنا عن الفهم والتحليل، ولكنّنا نكمل المسيرة بكلّ ديناميّة وإيجابيّة، ديناميّة المحبّة تجاه الخالق وتجاه الخليقة وتجاه كلّ مخلوق، لأنّ الله الحيّ الدائم هنا، ربَّ القيامة معنا، له الكلمة الأخيرة، وليس للموت ولأشكاله. إنّ الله هو العزاء وهو الرجاء. فالله يخرق كلّ مشكلة وكلّ صليب وكلّ موت بالقيامة، فيفتح آفاقنا على دنيا جميلة، بدءًا من هذه الأرض ووصولاً الى دنيا الله بعدها.

نحن ننظر الى الصليب فنرى من خلاله الذين حكموا على يسوع ظلمًا، فنعود إلى ذواتنا مع التزام أمام الله بأن نعيش ناصرين كلّ حقّ، نابذين كلّ باطل، لأنّ من ينصر الحقّ يكون قريبًا من الله، فيضحي على الدوام منتصرًا، لأنّ الله هو المنتصر الدائم. محبّة الأضعف، وعدم الاستقواء، أينما كان الإنسان، هو اقتداء بتصرّف الله، تصرّف الربّ يسوع مع البشر. كذلك، صنع الخير هو سير وراء الربّ يسوع الذي جال على أرضنا يصنع الخير. هكذا نُظهر إيماننا المسيحيّ وهكذا ننجّي نفوسنا من التصرّف كالفرّيسيّين، فهم ينسون وجود الله ويتعلّقون بمظاهر الدين، ويغفلون عن أنّ الله أبانا يرى في الخفية وهو يجازينا".

وأكد: "النظر إلى الصليب يقينا التَيَهَان في الترف الفكريّ ويدفعنا الى الالتزام بالأرض حيث نحن، بقضاياها الإنسانية والاجتماعية والبيئية والوطنية المحقّة. هكذا كان الربّ، ملتزمًا بقضيّة الخلاص وقضيّة إعلاء شأن الإنسان. هذا من مفاعيل سرّ التجسد، حيث التقت الألوهة بالإنسانيّة، وهذا ما قاده الى الصليب. لذا نرى ذواتَنا منقادين، مثلَ يسوع، صوب الالتزام بكلّ قضيّة خلاص وكلّ قضيّة تعلي شأن الإنسان، مهما كلّف الثمن. النظر الى الصليب ينتشلنا من أيّ سطحيّة قاتلة، ويجعلنا متأمّلين في الحياة، بكلّ جدّيّة، ولكن بكلّ فرح وبكل التزام بقضايا حياتنا".

وشدد الأب العام محفوظ على أن "هذا الموقف يجعلنا نعيش الرجاء الذي يدعونا اليه قداسةُ البابا فرنسيس في هذه السنة اليوبيليّة، سنة 2025. ليس الرجاءُ توقعَ أمر أجمل، بل هو التيقن، على الدوام، أنّ مسيرة التاريخ هي تحت نظر الله سيّدِه، الذي معه الفرح الكامل والانتصار وعيش الهناء، في مسيرتنا على الأرض وبعدها".

وأكد أن "هذا هو إيماننا الذي نصمد فيه في وطن عانى ما عاناه، من حروب وويلات اقتصاديّة واجتماعيّة. هذا ما يدفعنا للمضيّ إلى الأمام، بكلّ ثبات وبكلّ عنفوان. وقد زادنا، هذه السنة، دفعًا الى الأمام، ملؤه الرجاء، انتخابكم على رأس جمهوريّتنا يا فخامة الرئيس. لا شكّ في أنّ انتخابكم أدخلنا في مساحة رجاء وتيقنٍ أنّنا مقبلون على أيّام فيها عزّ وكرامة وازدهار وتحقيق أحلام لشعب لبنان المعلّق على الصليب. إنّكم، بالثّبات وبالعنفوان وبالصّلابة التي عوّدتم اللبنانيّين عليها، تغذون الرجاء في قلوبهم. ولا شكّ في أنّ إيمانكم العميق والمتجذّر، ومحبّتكم، مع السيّدة الأولى، للقديس شربل، قديس لبنان، وقد زرتم ضريحه في الأيّام الأولى بعد انتخابكم، لا شكّ في أنّ هذا الإيمان سوف يكون العضد الأهم لكم في قيادة مسيرة لبنان إلى الأمام. لا شكّ عندنا، في أنّكم، بتصميمكم وبحكمتكم، سوف تقودون لبنان بالطريقة المثلى والهادئة والحكيمة، الى منطق الدولة، بكلّ جوانب هذا المنطق. نعود فنصفكم بما وصف به سفرُ نشيد الأناشيد القائد المنقذ: "طلعتُه مثلُ لبنان، وهو مهيبٌ كأرزه" (نش 5: 15). ومن ناحيتنا، كمجتمع، علينا أن نجيبكم بالإيجاب واعين عِظَمَ المسؤوليةِ الملقاةِ على جميعنا، للنهوض معًا، ولتثبيت قوانين وآليات شفّافة وفعّالة تعزّز المواطنة وتسمح لكلّ مواطن بالوصول الى الخدمات الضّروريّة والكريمة، بدون أيّ تمنين أو أيّ تدخل. هكذا تصان كرامة كلّ مواطن، وهكذا نعيش معًا كما يجب أن نعيش، بفرح وبنظرة متفائلة الى الغد".

ولفت إلى "إنّنا في هذه السنة، نستذكر خمسين سنة على اندلاع الحرب المشؤومة جعلها الربّ بلا رجعة. وإنْ أَقُل خمسين، أعودُ وايّاكم الى وقع الخمس وعشرين سنة، مرتين، حين تعلن الكنيسة يوبيلاً كبيرًا، أي إلى يوبيل سنة 1975 الذي شدّد فيه القديس البابا بولس السادس على التجدّد والمصالحة، وإلى يوبيل سنة 2000 الذي شدّد فيه القديس البابا يوحنا بولس الثاني على سرّ التجسد، على لقاء السماء والأرض في شخص الربّ يسوع المسيح، وإلى يوبيل 2025 الذي يشدّد فيه قداسة البابا فرنسيس على الرجاء. فنشعر أنّ موضوع كلّ يوبيل يعنينا بشكل خاص نحن اللبنانيين الذين علينا التجدد والمصالحة، خصوصًا أنّكم أشرتم فخامتَكم، السبت الفائت، عشيّة هذه الذكرى، إلى أنّ نبذَ الحقد أساسٌ في بناء المجتمعات. كما علينا أن نجسّد المبادئ الحميدة لخدمة قضيّة وطننا. هكذا نعيش الرجاء ونمضي الى الأمام".

وأضاف: "في هذا اليوم المهيب، أتوجّه الى سعادة السفير البابوي المطران باولو بورجيا سائلاً ايّاه أن ينقل الى قداسة البابا فرنسيس دعاءنا بالشفاء الكامل، ومعايدتنا القلبيّة له، وطاعتنا البنويّة الكاملة له، وصلاتنا لخدمته البطرسيّة. كما أتوجّه الى صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكليّ الطوبى بأطيب المشاعر البنويّة، داعيًا له بكلّ الخير والصحة والعافية ليكمل قيادة سفينة كنيستنا بحكمته ورؤيويته".

وختم عظته قائلًا: "نحن نمضي الى الأمام فيما ننظر الى الصليب والى المصلوب عليه، فنشحن الذات بطاقة ملؤها الايجابيّة، والديناميكيّة، والجدّيّة، والفرح. نمضي الى الأمام برجاء، فهو لا يخيّب، رجاءُ الصليب".